لدبلوماسية برلمانية أكثر تأثيرا
عملت في مجلس النواب البحريني لمدة 13 سنة، تنقلت خلالها من إدارة الجلسات إلى إدارة العلاقات العامة والإعلام ومن ثم إدارة البحوث البرلمانية، وأخيرًا إدارة الشعبة البرلمانية. وقد كنت شاهدًا خلال تلك السنوات على تطورات ضخمة في عمل الأمانة العامة للمجلس، ولمن لا يعلم، فالأمانة العامة هي الجهاز الإداري المعيّن لتسهيل عمل أصحاب السعادة النواب.
إلا أن هذا التطور في عمل الأمانة العامة لم يناظره تطور في نفس المستوى، على صعيد الدبلوماسية البرلمانية. ومن أحدث نتائج ذلك، القرار غير المنصف الأخير للبرلمان الأوروبي، والمتعلق بحقوق الإنسان في مملكة البحرين. وسأورد هنا بعض الملاحظات، والتي رفعتها سابقا للأمانة العامة، لعلها تجد صدى أفضل من موقعي الآن خارج المجلس، وما القصد منها إلا أماني بمخرجات أفضل لهذا المشروع الرائد الذي دشنه سيدي صاحب الجلالة الملك المفدى.
لقد قاربت تجربتنا البرلمانية على إكمال عقدها الثاني، إلا أن مكتسباتها على الصعيد الدولي ما زالت متواضعة، وذلك يرجع – في ظني المتواضع – إلى ثلاثة عوامل أساسية. عامل تنظيمي وعامل إداري وعامل سلوكي.
أما العامل التنظيمي فهو افتقار منظومة الدبلوماسية البرلمانية لدينا إلى آلية لنقل المعرفة. ففي فصول تشريعية سابقة، كانت هنالك مجموعة من النواب ممن استطاعوا أن يبنوا علاقات برلمانية مميزة مع مختلف المؤسسات البرلمانية حول العالم، إلا أنهم لم يوفقوا – أو لم يرغبوا – في مواصلة العمل البرلماني، ذلك ما أفقد دبلوماسيتنا كما هائلا من الأصوات والعلاقات المهمة. وقد كان من الأجدى أن توضع آلية، ينقل من خلالها الأعضاء السابقون، علاقاتهم الدولية إلى من يحل مكانهم من الأعضاء الجدد، وإن انتهت فترات عضوياتهم الفعلية. وأن يكون المرجع في ذلك قاعدة معلومات في أرشيف إدارة الشعبة البرلمانية، تحفظ فيها معلومات التواصل مع مختلف الشخصيات البرلمانية المؤثرة حول العالم، والشخص ذو العلاقة الأوطد بها من أعضاء المجلس، الحاليين أو السابقين. ذلك ما يضمن استمرار «اللوبي» البحرين في التأثير ونقل الصورة الحقيقية لإنجازاتنا.
أما العامل الإداري، فهو متعلق بمحتوى مشاركات أصحاب السعادة النواب في اللقاءات البرلمانية الدولية. فتلك المشاركات متروكة بالكامل لرغبة النائب المشارك، وما تعده له إدارة البحوث البرلمانية من أوراق عمل نمطية، لا يوجد توحيد حقيقي في الرسائل الموجهة من خلالها. وكان الأجدر عرض جميع المشاركات الخارجية على مكتب المجلس، وذلك للتأكد من تناسق رسائل المجلس في كل المشاركات الخارجية. خصوصًا إذا ما أردنا أن يكون هنالك تأثير فعلي لتلك المشاركات، واضعين بعين الاعتبار، بأن مشاركة أي عضو بالمجلس في أي محفل برلماني دولي، هي تمثيل لمجلس النواب بأكمله، وليست بتمثيل للعضو بشخصه.
وبالنسبة للعامل السلوكي، فهو متعلق بالمهارات الدبلوماسية لأصحاب السعادة النواب. فخلال أربعة فصول تشريعية، رافقت العديد من الوفود البرلمانية، ورأيت جهودا جبارة لسفرائنا حول العالم تضيع بسبب كلمة غير مقصودة لأحد أعضاء الوفد البرلماني. وما ذلك إلا بسبب نقص الخبرة الدبلوماسية لدى النواب، وذلك لا يعيبهم، إلا أنه كان من الأولى أن تنظم لهم دورات مكثفة، في الفترة بين انتخابهم وبين بداية الدور التشريعي الأول لهم، وأن تتطرق تلك الدورات إلى كل ما يحتاجون لمعرفته فيما يتعلق بالدبلوماسية والتفاوض والبروتوكول. فثقة الشعب التي أوصلت العضو إلى قبة البرلمان، ليست بالضرورة مقترنة بأن الحاصل عليها هو إنسان خارق في شتى الجوانب، ومن الطبيعي أن تتفاوت القدرات الدبلوماسية بين نائب وآخر، وهنا تكمن أهمية التدريب.
نحن الآن على مشارف استحقاق نيابي، ولكي لا تتكرر لنا تجربة قرار البرلمان الأوروبي، يجب علينا البدء من الآن في إعادة تصميم استراتيجياتنا للدبلوماسية البرلمانية، لعلها تواكب في القريب العاجل تطلعات صاحب الجلالة، الذي أثبتت التجارب بأنه قائد سابق لعصره.
د. فهد إبراهيم الشهابي