خالد وصديقه ذياب لم يكونا على توافق تام، لكنهما يتحدثان في كل شيء عندما يلتقيان، عن الناس والمناخ والأسهم والنوادي..
لا يوفران تعليقاتهم عن أي شيء.
يتعجب ذياب من كلمة قالها خالد عن جاره عوض، وأعادها باستغراب وتساؤل.. مدلّبِح!؟
– نعم لم أكد أعرفه، وكأن عمره تقدم كثيراً مذ رأيته قبل رحلتي الأخيرة.
– لا بدّ أن كارثة داهمته فلم يستطع مواجهتها.
– نعم لم يكن عوض بهذا الضعف من قبل، وفيما أعلم أن أسرته وتجارته لم تتعرض لنكسات واضحة تفسّر هذا الانكسار الكبير في مظهره وسلوكه، وهو ما جعلني ألحّ عليه بالسؤال، فعرفت منه المسألة.
– وما كانت؟
يقول بحزن وغضب: عليان شريكي وزميلي منذ الطفولة.. وبمدى ما يعرف من تفاصيل وأسرار عن حياتي وأخطائي وتجاوزاتي السابقة هو السبب، أراد الاستحواذ على إدارة الشركة مع أولاده وهم غير مؤهلين، فما إن وجد لديّ تحفظًا حتى بدأت ملفات ذنوبي كلها بالعرض المجاني للجميع ليظهرني بأبشع صورة، مع أنه شريك لي في معظمها.
– وهل كانت مخالفاتهم توجب كل هذا الانكسار؟
– لو عرفتها لقلت نعم، وأكثر ما يؤلم عوض قوله إنّ الله سترنا وعليان يفضحنا!
فسألته ألم تحاول معه؟ فأجابني بلى، ولكن الحقد أعمى بصيرته، وحذرته من أننا سندفع الثمن سوية ولن أكون وحدي، ولكنه زاد شرّاً وقبحًا.. فما وجدت غير ركوب الخطر اضطرارًا.. عليّ وعلى أعدائي.
– يعني خيار شمشون!
نعم.. أخبرني أنه عندما كان أمينًا للصندوق في مؤسسة خيرية، يأتيه صاحب الاستحقاق لاستلام المعونة المقرّرة، يقول: كنت أعتذر له بعدم توفر المبلغ كذبًا مع علمي بأنه في ذروة أزمته، وعليان شريكي اللعين والحاضر معي يكون دائمًا هو المكمّل للمشهد، إذ لا أستطيع إنجاز المهمة دونه، فيمثل دور الرجل الطيّب فيفزع للضغط عليّ لصرف مستحقات المسكين، فأفتح أحد الصناديق لأثبت صدق قولي، وأضعه في حالة يأس بالقول لا أعرف متى ستتم تغذية الصندوق بالنقد، وهنا نتوغل بالجريمة.. إذ يعرض عليان مساعدة صاحب الحق بنصف المبلغ وهو يتحمل التأخير ولو كان لسنة كاملة.
عندها أقوم بالتدخل وأنصح الرجل بالانتظار والإنكار على عليان بطلب نصف المبلغ وأن هذا لا يجوز شرعًا.. ولضبط المسرحية يعتذر عليان ويهمّ بالمغادرة، وعندها كنت أتدخل مرة أخرى بعرض الاكتفاء باستقطاع عشرين أو ثلاثين بالمائة بشرط أن يتحمل عليان ما يكون من تأخير، وأضيف.. لا تعرّض المسكين لضرر كبير، فيقوم بتعديل عرضه إلى دفع نسبة أكبر فيقول من أجل شيبة الرجل وتقديرًا لظروفه أعرض بشكل نهائي ستين بالمائة وعلى أن يوقع لك على أنه استلم كامل حقه، وبإشارات وحركات أتقنت أداءها أدفع الرجل وأُحفّزه على الموافقة لاستغلال هذه الفرصة، مع التأكيد بصوت عال مع نظرة مركزة أثناء تقديم المستند للتوقيع بالاستلام أنه لا يحق لك يا عليان بعد عمل الجميل وهذا المعروف مع الرجل الطيب الإلحاح عليّ وإزعاجي بالمتابعة وكل يوم والثاني على رأسي.. وأزيد.. تحمّل فزعتك وطيبتك الزايدة لا تراجعني حتى أتصل بك.
فيوافق الطرفان..
ونتقاسم الغلّة.. فعلناها مئات المرات!
– يا لطيف ما هذا!
– وهناك ما هو أكثر كما قال عوض.
– لكن لماذا تزيد مصيبته أنت الآن بنشر هذه الفضائح؟
هو الذي طلب مني ذلك، يقول ليفهم الناس أنه شريكي بتلك الجرائم ولَم أكن وحدي كما يروّج لذلك.
– هذه تصلح قصة لفيلم.
– ولو أضفت لها سرقتهما الكهرباء من المساجد المجاورة لبيوتهم سنين طويلة وافتعال الخصومة على ديون وهمية ليدخل السجن أحدهما أو شخص آخر يغرران به قبيل شهر رمضان فيحصلون على سداد لديون مفتعلة بمبالغ كبيرة من المحسنين، ومحاولاتهم استملاك أراضٍ ليست لهما، إذ يتخاصمون على أمل أن يُحكم لأحدهما، وغير ذلك من الدناءات.
– طيب والنَّاس لماذا يتعاملون معهما وشركتهما؟
– الناس لا تعلم شيئاً عن حقيقة سلوكهما وأخلاقهما قبل موجة الحقد هذه والخلافات بينهما.
– أجل كان حقّه بل جزاءه أن يدلّبح أكثر.
– صحيح.. بل وكلاهما، ولمّا تكتمل فصول فجور الخصومة بعد.. فمن يدري عن مخزون شراكة مخزية حان وقت مراجعة أعمالها! والحقيقة أني أشعر بالتردد فلست أدري إن كان من الأمانة أن أخبر عليان بما وصلت إليه حالة عوض من يأس ورغبة بالانتقام.
– تقصد أنه قد يعبث بالشركة مثلاً أو يدبّر حريقًا يدمرها؟
– بالضبط هذا ما فهمته من غضبه.
– ولكن الشركة تخدم غيرهما ولا تقتصر عليهما، ولذا من الضروري تنبيهه لمعالجة أوضاعهما.
– هذا صحيح ولقد نصحته بضرورة التفاهم كي لا تحصل مخاطر وأضرار تطول الجميع، ولكن لو تعرف ما كان ردّه؟
– وما هو؟
– قال ليفعل فقد عملتُ تأمينًا ضخمًا ضد مخاطر الحريق والسرقة والتخريب.
– شياطين بأجساد بشر.
– نعم، ولعل في قصصهما عبرة.
– وهل علينا الانتظار؟
– ماذا نفعل أكثر من محاولة إقناعهم بالتفاهم وإرسال إشارات التحذير؟
– أظنه وهو الأفضل إبلاغ مكافحة الفساد عنهما.
– أنا لا أستطيع، فلا مستندات لدينا ولا أقبل رواج وصمة مخيفة بالبلاسة التي ستلتصق بي وبأبنائي من بعدي كعارٍ أبدي.
– إذن فليهنأ الحرامية!
– وأنت لِمَ لا تبلّغ عن مخالفاتهما؟
– أنا لست أقل منك.. تهمني سمعتي.
– الحقيقة أن كلينا شريك في جرائمهما ما دمنا نتستر عليهما، ويبدو أننا ندّعي المواطنة ولا نفهم معناها، ولو تعلم عن قيامهما بتغيير تاريخ صلاحية المواد التي يبيعانها، فماذا عساك تفعل؟
– إذن هيّا إلى الشرطة.
– هيّا معك.. عليهما.
** **
– عقل مناور الضميري