الدين .. و الوعي بالمعارف والعلوم
قال رسول الحق والعدالة عليه الصلاة والسلام : إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا .
رواه أبو داوود وصححه الالباني .
من يجدد قد يكون فردا وقد تكون جماعة ،، والتجديد في أمور الدين يحتاج إلى علماء مختصين كل في مجال من اللغة إلى الاجتماع والاقتصاد والسياسة ونظم الحكم وعلوم الحياة والطبيعة والفلك وعلوم الرياضيات … إلخ ، وكذلك الالمام باللغة وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله في علاقة بالأزمنة والبلدان والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
إن فهم القرآن بمعانيه وحكمه وتشريعاته يتجدد باستمرار مع مرور السنوات و العقود والقرون وما تعرفه من تطور وثورات في العلوم والمعارف والخبرات ، وما يحصل من تغيرات شكلية وجوهرية بالمجتمعات وأحوالها ونظمها ، وفي علاقة بتنوع ثقافات وعادات وتقاليد الشعوب غير العربية المعتنقة للاسلام وحتى المؤمنة بمعتقدات أخرى في بلدان ودول الجوار وبمختلف بقاع العالم الذي اصبح وطنا مشتركا رغم الحدود الرسمية المعتمدة ..
فكل العلوم التي كان مرجعها القرآن أولا والسنة النبوية ثانيا لابد أن يشملها التحديث والتجديد بما يتلاءم مع العصر ويحترم جوهر الدين الذي لايكون إلا به ، فالذين درسوا القرآن وفسروه وأولوه إعتمدوا على فهمهم وما رجح بفكرهم في علاقة بالتراث الديني ما قبل الرسالة المحمدية وبمستوى العلوم المختلفة في أزمنتهم ودرجات تأثرهم بثقافات غير عربية ، والذين درسوا الأحاديث بعد عقود من البعثة ووضعوا لعملهم ذاك باجتهادهم ضوابط ومعايير أخضعوا لها ما تجمع لديهم من المرويات والكلام المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم مع الأخذ بعين الاعتبار زاوية تأملهم ومرجعياتهم الثقافية والاجتماعية ، ويكفي هنا الاستشهاد بالإمام البخاري الذي جمع عشرات الآلاف من النصوص واعتمد منها أقل من 8 آلاف حديث لتجمع بعده في كتاب أطلق عليه “صحيح البخاري” .
إن الدين جاء مخاطبا عقل الفرد و الانسان في كل الأزمنة والأمكنة ، فما يراه العقل في جل الأمور هو ما يراه الدين ، وبما أن العقل الواعي و السليم يميل إلى الموضوعية والحق كذلك الرسالة السماوية جاءت لتتمم مكارم الاخلاق ولتطور فلسفة الشرائع السماوية في علاقتها بكل ما هو متنور عند الشعوب التي نزلت بها ، فمن الخطأ والفهم الضيق اختزال الإسلام في العبادات والشعائر المرتبطة به لضمان مكان بالجنة في العالم الآخر والتغاضي عن أن الإسلام العملي والذي هو نهضة شاملة مجتمعية مدنية ترتكز على عدالة اقتصادية واجتماعية وديموقراطية يكون فيها الشعب مكرما ومعززا يشكل محور ومرتكز بناء الدولة ومؤسساتها وتنميتها وقوتها ، نهضة لاتخدم طبقة أو فئة دون غيرها ، ولا تكون محتكرة من منظومة حكم معينة أيا كان مذهبها و توجهها ،
إن الإسلام بصلاحيته لكل زمان ومكان يتجسد بتطوير المكتسب الإيجابي وتصحيح الأخطاء وتحيين التفاسير والتأويلات المناقضة للعلم وجوهر العقيدة ، وتقوية الإبداع حضاريا في جميع المجالات بوثيرة لاتتوقف بتغير الحكام والسياسيين وأزمنتهم ، فتعطيل التنمية وترسيخ الفوارق الطبقية وترك الجهل ينخر العقول ويسيئ لكل ما هو جميل ليس من روح ومنهج الإسلام الذي يناهض الاستغلال والظلم والاستعباد والذي جاء ليعالج أسباب الفقر ويمحوها وليس ليكرسا ويرسمها ، و حديث : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري ومسلم .يلخص الدلالات والاهداف ..
وجاء الإسلام الخاتم الموجه للناس كافة بخطاب وتوجهات متفتحة تلائم كل التطورات التي ستعرفها البشرية حتى تقوم الساعة مستوعبا لكل الأفكار العادلة والنيرة والصالحة في جميع مجالات الحياة ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وانسانيا ..
إن الدين لايجب ولا يمكن خوصصته وتملكه من طرف طائفة أو مذهب فقهي أو حزب سياسي أو شخص كان عالما أو فقيها أو داعية ،،
ومسؤولية المسلمين العظمى هي نفسها المسؤولية الإنسانية العادلة للبشرية غاياتها ومنهجها العمل الرصين والمستدام والتطوير لتقاسم المعارف والرقي بالعقل والفهم ، وجعل الثروات في خدمة الشعوب لبناء أوطان قوية وغنية ومتحضرة تفهم وتستوعب عمليا أول رسالة من الوحي ( إقرأ) الواعية والمتأملة والمبدعة التي لاتستقيم إذا استعملت للظلم والطغيان والتحكم واستغلال الانسان وترسيم فقره وأميته.
” أ.مصطفى المتوكل الساحلي
تارودانت : الثلاثاء 27 أبريل 2021.