منذ بدايات دولة الكويت الحديثة، اهتمت الإدارة بالإعلام الحكومي، وكانت وسيلة الإعلام الرسمي – آنذاك- هي لصق الإعلانات الرسمية على الحائط الشرقي لكشك الشيخ مبارك الصباح الكائن في مدينة الكويت (و الذي كان مقرا ً لمكتب البريد منذ أوائل العام 1942)، حيث اعتاد الناس على المرور بهذا الموقع للاطلاع على ما يستجد من الشأن الحكومي و الإداري.]كما كانت الاعلانات ذات العلاقة بالشأن العام السياسي أو التجاري تعلّق على الحوائط في أماكن التجمعات الأهلية في سائر أرجاء المدينة (في الدوائر الرسمية، الأسواق، على البحر، على جدران دواوين الأهالي).
لربط دوائر الحكومة برجال الاعمال و شركات المقاولات و في سبتمبر من عام 1954، كانت هذه الحاجة واضحة ً
لربط دوائر الحكومة برجال الاعمال و شركات المقاولات
، حيث ارسل السكرتير فى مكتب المدير الاداري بدائرة المعارف آنذاك، بدر خالد البدر، فأرسل رسالة الى مدير الادارة المالية ضمنها اقتراحا ً بإصدار جريدة رسمية للدولة، تعنى بنشر جميع الأدوات القانونية (قوانين و قرارات و تعاميم)، إضافة الى الإعلانات الرسمية (مناقصات و علامات تجارية و وفيات و مفقودات)، وذلك نظرا لما تشهده الكويت منطفرة اقتصادية و عمرانية بدأ معها تدفق المقاولين و رجال الأعمال للإضطلاع بالمناقصات و المشروعات الكبرى ،و الذي رفع الاقتراح الى اللجنة التنفيذية العليا (و هي لجنة كانت مشكلة من قبل المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح فى 19 يوليو 1954، لتقوم بتنظيم مصالح الحكومة و وضع هيكل لدوائرها الرسمية و لتكون مسؤولة أمام حاكم البلاد. و كانت اللجنة تضم المغفور لهم الشيخ صباح الأحمد والشيخ جابر العلي والشيخ خالد العبدالله السالم و السادة احمد عبداللطيف و عبداللطيف النصف)
و قد كانت أسرة التحرير الأولى للمجلة تتكون من يوسف مشاري الحسن (من دائرة الكهرباء و الماء) و طلعت الغصين (من مجلس الإنشاء) أعضاء ً، و بدر خالد البدر مديرا ً (من دائرة المعارف).
و على يد هذا الفريق، صدر العدد الأول من الجريدة الرسمية بتاريخ 11 ديسمبر 1954،و اضطلعت دائرة المطبوعات و النشر باصدارها. و بذلك، فقد أصبحت الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” قناة الاتصال بين الدولة و المواطنين، إضافة الى كونها تمثل معلما ً واضحا ً في مسيرة تحول البلاد الي نموذج الدولة الحديثة على جبهة النشر و التوثيق الإداريين، من حيث كونها تعكس الانتقال من مرحلة القرارات المتناثرة و الشائعات المسموعة و المستعصية على التثبت الى مرحلة التدوين و الإعلان.
و قد تم بعد ذلك إنشاء مطبعة حكومية تقوم بنشر وطبع كل مطبوعات الدوائر الرسمية، و قد تم اعطاء هذا الأمر أولوية، حيث قامت دائرة المطبوعات (وزارة الإرشاد و الأنباء) بافتتاح مطبعتها رسمياً في 15 أكتوبر 1956. و قد أصبحت الجريدة الرسمية تطبع بواسطة مطبعة الحكومة هذه، فتصدر كل يوم أحد في ست عشرة صفحة. و قد وصل عدد النسخ المطبوعة منها إلى سبعة آلاف نسخة أسبوعياً، هذا فضلاً عن مانت تصدره من ملحقات مخصصة لنشر القوانين، و هي ملحقات لقيت رواجاً شديدا حيث كان يطبع منها أضعاف ما يطبع من الجريدة نفسها.
كانت تغطيات الجريدة الرسمية تشمل جميع مناحي الأداء الإداري العام للدولة، فقد كانت تنشر المراسيم الأميرية و التشريعات والقوانين و الإعلانات الحكومية على التي كانت تتنوع يتنوع الجهات الرسمية المعلنة (جداول أطباء الخفر في المستشفيات والمستوصفات، الانتاج الشهري لشركات النفط العاملة في الكويت، اعلانات المناقصات العامة، مواعيد الامتحانات الرسمية للمدارس، واسماء الطلبة الناجحين، الميزانية العامة للدولة، قرارات مجالس الإنشاء و الوزراء و الأمة).
و قد دأبت الجريدة الرسمية على الصدور بصورة مستمرة و دو ن انقطاع،إلى أن وقع الاحتلال العراقي لدولة الكويت. فقد صدر آخر عدد قبل الاحتلال العراقي للبلاد في 28 يوليو 1990 (العدد 1885)، لتتوقف الجريدة عن الصدور بعد ذلك. و فى 28 ديسمبر 1990 عادت الجريدة للصدور مرة أخرى من مقر الحكومة في المنفي في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، حيث صدرت متضمنة الأوامر و المراسيم الاميرية و القوانين التى صدرت فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ البلاد، الى أن تم التحرير.
يذكر أن دستور دولة الكويت قد أولى الجريدة الرسمية اهتماماً خاصاً، فذكرها في ثلاثٍ من مواده. و أولي هذه المواد هي المادة 70 التي نصت على أن: “يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فوراً مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية …”. و ثاني هذه المواد هي المادة 178 التي ورد فيها: “تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها، ويعمل بها بعد شهر من تاريخ نشرها، ويجوز مد هذا الميعاد أو قصره بنص خاص في القانون”. أما ثالث المواد الدستورية التي ورد فيها ذكر الجريدة الرسمية فهي المادة رقم 182، و التي جاء فيها: “ينشر هذا الدستور في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ اجتماع مجلس الأمة، على ألا يتأخر هذا الاجتماع عن شهر يناير سنة 1963”.
و بذلك، فإن القانون بمجرد نشره في الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” تقوم معه قرينة قانونية تفترض علم الكافة بالقانون، و لو لم يعلموا به حقيقة، فلا يجوز لأحد بعدها أن يعتذر بجهله بالقانون، لأن لهذه القاعدة دور وظيفي هو تطبيق القانون بمعيار موضوعي و ليس شخصي، مما يعني ان العلم بالقانون هنا هو علم حكمي، أي أنه علم مفترض و إن لم يتحقق بالواقع، و ذلك لاعتبارات عملية بحتة متعلقة بوجوب تطبيق القوانين تطبيقاً شاملاً و كلياً، انطلاقاً من فكرتي تجريد القواعد القانونية و عموميتها.
و بعد، فبنظرة إدارة/قانونية صارمة، فإن الجريدة الرسمية “الكويت اليوم” لا تعدو ان تكون مطبوعة رسمية، جافة، باردة، مليئة بالمواد القانونية و الإدارية الباردة و الخالية من أية “حياة”.
و مع ذلك، بمراجعة أشمل و بشيء من العدالة (و بكثير من الخيال)، سوف يتبين لك العكس تماماً: الجريدة الرسمية هي “سيرة حياة” كاملة؛ حياة دولة اسمها “الكويت”.
* الدكتورة مشاعل الهاجري .. أكاديمية من الكويت.
” متابعة.. بتصرف.